تفجّرت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة، خلال الأيام الأخيرة، تزامنًا مع القبة الحرارية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، ما أثر بالسلب على ساعات وصل التيار الكهربائي، إذ ارتفعت عدد ساعات القطع لتتجاوز الـ 10 ساعات مقابل 5 ساعات تغذية.
ويعاني القطاع الذي يرزح تحت وطأة الحصار الإسرائيلي منذ عام 2006 من أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي عادة ما تتفاقم في أوقات الذروة خلال فصلي الصيف والشتاء تزامنًا مع عدم توفر حلول وبدائل تنهي هذه الأزمة من جذورها وتعثر كل المحاولات.
وارتفعت حدة الغضب في الشارع الفلسطيني الذي وجه اتهامات لاذعة للممسكين بإدارة ملف الطاقة والكهرباء في غزة على خلفية فشلهم في إيجاد حلول تنهي الأزمة المتكررة في ضوء ارتفاعات الحرارة بشكلٍ كبير خلال فصل الصيف والآثار المترتبة على القبة الحرارية.
وتعمل محطة التوليد في غزة بثلاثة مولدات فيما لا يعمل المولد الرابع الموجود داخلها والذي من شأنه أن يغطى العجز الحاصل في الطاقة ويعمل على تثبيت جدول 8 ساعات تغذية مقابل 8 ساعات قطع، حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية للمحطة حال تشغيلها بالكامل 120 ميغاواطاً.
ودفع عدم تشغيل “المولد الرابع” بالنشطاء والمواطنين على حدٍ سواء لإطلاق “وسم” تفاعلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حمل الدعوة المباشرة إلى تشغيل هذا المولد وتوجيه الاتهامات نحو المسؤولين على إدارة ملف الطاقة ودعوتهم لإيجاد حلول حقيقية.
ولا يوجد في القطاع حاليًا إلا مصدرين للطاقة هما الخطوط الإسرائيلية الواردة عبر الأراضي المحتلة والتي توفر عادة ما يتجاوز 120 ميغاواطاً ومحطة التوليد التي توفر قدرة إنتاجية تتراوح ما بين 65 و120 ميغاواطاً وفقًا لكفاءة مولداتها الأربعة.
ومنذ عام 2018، أوقفت السلطات المصرية تزويد القطاع بالتيار الكهربائي حيث كانت القاهرة تزود القطاع بقرابة 25 ميغا واط، وخلال السنوات التي سبقت عملية الإيقاف كانت الخطوط ما تتعرض للأعطال في غالب الأوقات نتيجة خلل فني من الجانب المصري.
وإلى جانب الأزمة الحالية الحاصلة في انقطاع التيار الكهربائي فإن ملف “العدادات الذكية” الذي أدخلته شركة توزيع الكهرباء للخدمة منذ عام 2018، واتسعت رقعته خلال العام الأخير يلعب دورًا رئيسًا في غضب الشارع الفلسطيني بالقطاع في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة واعتماد أكثر من 80% من السكان على المساعدات الإغاثية.
ويطالب الكثير من العائلات والأسر الفقيرة بوقف هذا المشروع أو إيجاد بدائل تراعي ظروفها الاجتماعية والاقتصادية في ظل عدم قدرتها المالية على الدفع المسبق لصالح هذه “العدادات” وعدم انتظام صرف مخصصات “الشؤون الاجتماعية” المالية الخاصة بالعائلات الفقيرة.
في المقابل، ترجع سلطة الطاقة في غزة وشركة توزيع الكهرباء التي تديرهما حركة “حماس” أسباب الأزمة إلى عدم توفر مصادر طاقة جديدة حيث لا تتجاوز إجمالي الكميات المتوفرة في أحسن الأحوال 200 إلى 220 ميغاواطاً، وعدم تنفيذ المشاريع التطويرية إلى الآن وحاجة بعضها للوقت.
في الأثناء، يؤكد رئيس سلطة الطاقة في غزة جلال إسماعيل، أن محطة التوليد الوحيدة تعمل بثلاثة مولدات من أصل أربعة متواجدة بداخلها، فيما تبلغ قيمة العجز الحاصل في الطاقة قرابة 60%، وتبدأ المشكلة بالتفاقم عادة إذا ما تجاوزت نسبة العجز 50%.
ويقول إسماعيل لـ “العربي الجديد” إن سلطة الطاقة لجأت لخيار بديل لتوفير كميات إضافية تتمثل في حقن المولدات الثلاثة بالمياه والمواد الكيميائية، ما سيؤدي إلى توفير من 5 إلى 7 ميغاواط إضافية ستنعكس بالإيجاب على جدول التوزيع وستسهم في تقليص نسبة العجز بعض الشيء.
ويشير إلى أن المنحة القطرية تسهم في تشغيل المولدات الثلاثة في محطة التوليد، أما ما تتم جبايته من قبل شركة التوزيع فيستم استخدامه في عملية تأهيل شبكة الكهرباء لتصبح قابلة لاستيعاب الكميات المفترض توفرها مع عمل خط الغاز خلال عام 2026 الذي سيوفر 300 ميغاواط وسيوفر في المرحلة الثانية 500 ميغاواط عام 2029.
ويلفت رئيس سلطة الطاقة في غزة إلى أن إجمالي أعداد العدادات الذكية التي تم تركيبها منذ عام 2018 وحتى الآن يقدر بقرابة 58 ألف عداد، من أصل 318 ألف اشتراك ضمن مشروع تحويل شبكة الكهرباء إلى شبكة ذكية تسهم في استقبال الطاقة التي ستتوفر في المستقبل.
وتعود جذور أزمة التيار الكهربائي إلى عام 2001، ففي تلك الفترة طُبق جدول قطع التيار يوماً واحداً أسبوعياً، ثم تفاقمت الأزمة صيف عام 2006 حينما قصفت إسرائيل محطة توليد الطاقة الوحيدة في أعقاب عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
إلى ذلك، يؤكد رئيس هيئة مديري شركة توزيع كهرباء غزة خليل شقفة، أن نسبة الفاقد في الشبكة الكهربائية تبلغ نحو 30% في الوقت الذي تتراوح فيه نسبة التحصيل التي تقوم بها الشركة من المشتركين ما بين 40 و44% من إجمالي الفواتير.
ويقول شقفة لـ “العربي الجديد” إن مشروع العدادات الذكية يعد إحدى الأدوات المهمة التي تساهم في معالجة الفاقد على الشبكة بنسبة كبيرة، حيث يرتكز المشروع على استبدال العدادات القديمة “الميكانيكية” بالعدادات الرقمية التي يتم التحكم فيها من خلال الشبكة عن بعد.
ويشير إلى أن هناك أوقات ذروة في فصلي الصيف والشتاء يزداد فيها الطلب بشكل كبير على الكهرباء، ويصل إلى أكثر من 650 ميغا في بعض الأحيان، وهو أمر حصل خلال شهر فبراير/ شباط من العام الجاري حيث وصلت ذروة الطلب على الكهرباء إلى 670 ميغا، فيما وصلت نسبة العجز إلى أكثر من 70%.
ويوضح أن هناك مشروعين يتم العمل عليهما لتوفير موارد إضافية من الطاقة هما مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 2 ميغاواط من خلال إحدى الشركات المحلية وسيبدأ الضخ للشبكة خلال شهرين إلى 3 أشهر، ومشروع إنتاج الطاقة من النفايات وهو يحتاج مزيدا من الوقت.
ويقدر رئيس هيئة المديرين في شركة توزيع كهرباء غزة حجم الديون المستحقة للشركة على المواطنين التي تراكمت خلال السنوات الماضية، بنحو 5.4 مليارات شيكل إسرائيلي، فيما بلغ إجمالي الخسائر المالية التي تكبدتها الشركة خلال العام الماضي نحو 160 مليون شيكل إسرائيلي (الدولار= 3.64 شواكل إسرائيلية).